الانقطاع المتكرر للكهرباء.. عبء سياسي على السيسي قبل الانتخابات
لا يمكن أن يكون هناك إطلاق أسوأ لحملة إعادة انتخاب عبدالفتاح السيسي، من انقطاع التيار الكهربائي الحالي، التي باتت قضية سياسية تؤثر على الملايين.
هكذا يوضح تحليل لمعهد “الشرق الأوسط”، حيث أصبح أثار الانقطاع المتكرر للكهرباء مناقشات نقدية حول أولويات إنفاق السيسي على مدى السنوات التسع الماضية.
ويضيف: “مما يزيد الطين بلة غياب الشفافية وعدم إعلام المصريين بالأسباب الحقيقية وراء انقطاع التيار الكهربائي الأخير، ناهيك عن الوضع الاقتصادي الحالي، ما أدى إلى زيادة الارتباك والغضب الذي يشعر به غالبية المصريين الفقراء”.
ويلفت التحليل إلى أن موجة الحر الوحشية التي تعصف بمصر منذ منتصف يوليو/تموز، والتي أدت إلى انقطاع طويل ومتكرر للتيار الكهربائي، تحولت إلى مسؤولية سياسية للسيسي قبل حملته المتوقعة للترشح لولاية ثالثة مدتها 6 سنوات في وقت مبكر من العام المقبل.
ومن المتوقع على نطاق واسع فوز السيسي، وزير الدفاع الأسبق الذي أشرف على حملة واسعة النطاق تستهدف المعارضة السياسية، بفترة رئاسة ثالثة، بدعم من الجيش والأجهزة الأمنية الأخرى.
لكن المتاعب الاقتصادية في البلاد تثير تذمر كثير من المصريين، الذين يعانون من تراجع مستوياتهم المعيشية بينما تنفق الدولة ببذخ على مشروعات ضخمة.
ومنذ توليه منصبه، تعهد السيسي بإعادة بناء البنية التحتية للبلاد، وتحسين شبكة الكهرباء المتدهورة، كأحد أولوياته الرئيسية، لافتا إلى أن التحسينات لن تسمح لمصر بتغطية احتياجاتها فحسب، بل ستسمح أيضًا بتصدير فائض الكهرباء إلى الدول المجاورة.
وفي عام 2015، وقعت الحكومة المصرية صفقة مربحة بقيمة 9 مليارات دولار مع شركة “سيمنز” الألمانية لبناء ثلاث محطات طاقة تعمل بالغاز الطبيعي، و12 مزرعة رياح.
واحد على الأقل من هذه المصانع الثلاثة التي بنتها ألمانيا، معروض حاليا للبيع في إطار برنامج الخصخصة الحكومي، والذي يهدف إلى توفير العملة الصعبة التي تشتد الحاجة إليها وسط تصاعد الديون الخارجية بما يقرب من 170 مليار دولار.
كما تم توقيع عقد آخر مكلف بقيمة 25 مليار دولار مع روسيا لبناء أول محطة للطاقة النووية في مصر في الضبعة، على الساحل الشمالي المصري.
كما أنفقت الحكومة المليارات لتطوير وزيادة إنتاج الغاز الطبيعي بهدف تحويل مصر إلى مركز للطاقة الغازية، ليس فقط إنتاج هذا المورد نفسه، ولكن أيضًا إعادة تصدير الكميات التي تتلقاها من الدول المجاورة، مثل إسرائيل باستخدام مصانع الإسالة الساحلية.
وبصفتها الدولة المضيفة لمؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ العام الماضي (كوب-27)، أعلنت مصر أنها توصلت إلى العديد من الصفقات الواعدة، بقيمة مليارات الدولارات، لزيادة الإنتاج المحلي من الطاقة النظيفة والهيدروجين الأخضر، مما أدى إلى العديد من الصفقات.
وأمام ذلك، اعتقد المصريون أنهم لن يضطروا لمواجهة نقص الطاقة مرة أخرى.
ولكن أصيب هؤلاء المصريون بالحيرة، عندما بدأوا يعانون من انقطاع التيار الكهربائي بشكل منتظم في منتصف يوليو/تموز.
واتباعا لكتاب “قواعد الاستبدادية الكلاسيكي”، فإن المسؤولين المصريين وفق التحليل، سعوا إلى “إعطاء الانطباع للجمهور دائمًا أن كل شيء تحت السيطرة”، عبر تقليل الأزمة بالقول إنها ستنتهي قريبًا، ربما في غضون أسبوع.
ومع ذلك، مع مرور الوقت واستمرار درجات الحرارة اليومية في الارتفاع إلى 40 درجة مئوية وما فوق، لم تنته الأزمة، ما دفع رئيس الوزراء مصطفى مدبولي لعقد مؤتمر صحفي في 27 يوليو لإيصال أخبار سيئة للمصريين.
وحينها، أعلن أن انقطاع التيار الكهربائي لا مفر منه في ضوء ما وصفه بأنه “أسوأ موجة حر في العالم”، وأنه من المحتمل أن يستمر ليس فقط حتى نهاية يوليو/تموز، ولكن ربما حتى منتصف سبتمبر.
كما في مناسبات سابقة، أشار مدبولي إلى العوامل الخارجية لتفسير مشاكل مصر الداخلية.
وهذه المرة، ألقى باللوم على تغير المناخ، وتحويل انتباه المصريين إلى دول مجاورة، مثل اليونان وتونس، التي عانت من حرائق الغابات بسبب الارتفاع غير المسبوق في درجات الحرارة.
علاوة على ذلك، أعلن مدبولي عن عدة إجراءات لخفض استهلاك الكهرباء، مثل مطالبة موظفي الحكومة بالعمل أربعة أيام فقط من مكاتبهم بدلاً من خمسة، وإقامة مباريات كرة القدم الشعبية قبل غروب الشمس، وتعتيم إنارة الشوارع.
تأتي هذه الأزمة، مع مواجهة مصر انخفاضًا كبيرًا في سيولة العملات الأجنبية بعد اندلاع حرب واسعة النطاق بين روسيا وأوكرانيا في فبراير 2022، خاصة بعد خروج أكثر من 20 مليار دولار مما يسمى “رأس المال الساخن”.
ونتيجة لذلك، لجأت مصر إلى سلسلة من التخفيضات في عملتها المحلية ورفعت أسعار الفائدة بأكثر من 11% في عام واحد.
وقد أدى ذلك إلى ارتفاع معدلات التضخم وشكاوى المصريين من عدم قدرتهم على تغطية نفقاتهم بسبب ارتفاع أسعار جميع السلع.
وبالمصادفة، قبل عام بالضبط، أعلنت الحكومة عن خطة لخفض استهلاك الكهرباء، تضمنت تعتيم إنارة الشوارع في الأماكن العامة، بهدف توفير المزيد من الغاز للتصدير بالعملة الصعبة.
ونفى مدبولي في مؤتمره الصحفي، أن يكون الانقطاع الحالي للتيار الكهربائي ناتجًا عن نقص في إنتاج الغاز في مصر، زاعمًا أن ارتفاع درجات الحرارة زاد الضغط على محطات الكهرباء التي تستخدم مزيجًا من الغاز والوقود الثقيل الذي يعرف باسم “المازوت”.
وأضاف أن الحكومة ستعمل قريباً على استيراد المزيد من الوقود بقيمة 250 مليون إلى 300 مليون دولار، لتغذية المحطات، والحد من انقطاع التيار الكهربائي.
ومع ذلك، فإن مثل هذه المزاعم تتناقض مع تقارير سابقة تؤكد أن مصر قد خفضت بالفعل إنتاجها من الغاز.
وعدلت وكالة “فيتش” مؤخرًا توقعاتها لإنتاج الغاز المصري في عام 2023، على أساس سنوي، متوقعا أن يشهد إنتاج الغاز السنوي للبلاد انخفاضا هو الأدنى في 3 سنوات، يبلغ 64.9 مليار متر مكعب.
وفقًا للوكالة، فإن إنتاج الغاز في مصر انخفض في الأشهر الأربعة الأولى من عام 2023 بنسبة 8.1% على أساس سنوي.
وقد كان الدافع وراء ذلك أساسًا مشكلات تسرب المياه المستمرة في حقل ظهر الضخم في البلاد، والذي وفقًا لتقارير وسائل الإعلام شهد انخفاض الإنتاج في الحقل بمقدار الثلث تقريبًا.
وكان هذا التراجع الواضح من بين الأسباب الرئيسية، وراء قرار مصر تعليق صادرات الغاز اعتبارًا من يونيو/حزيران المقبل، لتلبية الطلب المحلي.
وبالتالي، فإن الواقع القاسي، الذي لا تريد الحكومة الاعتراف به علنًا، هو أنها تجد صعوبة بالغة في توفير العملة الصعبة اللازمة لاستيراد الوقود اللازم لتشغيل محطات الكهرباء المصرية.
والسبت، كشف السيسي أن تشغيل محطات الكهرباء في مصر، يتطلب استهلاك وقود بقيمة 350 مليون دولار شهريا.
مثل هذا الإعلان، سيفتح الباب أمام انتقادات أكثر حدة لسياسات السيسي الاقتصادية على مدى العقد الماضي، وهي الاقتراض بكثافة لتمويل “المشاريع الضخمة” الوطنية التي يعتبرها القليل من المصريين أولوية.
وبلغ الدين الخارجي لمصر 165.4 مليار دولار في مارس 2023، مقارنة بنحو 40 مليار دولار عندما تولى السيسي منصبه، في يونيو 2014.
ومن الأمثلة البارزة على هذه المشاريع بناء العاصمة الإدارية الجديدة أو عشرات الجسور والطرق السريعة الجديدة الواقعة في وسط الصحراء، بعيدًا عن المدن المكتظة بالسكان.
كما قدمت وزارة الكهرباء والطاقة تعليمات محيرة للغاية حول متى يمكن توقع انقطاع التيار الكهربائي، وطلبت من سكان المباني السكنية تجنب استخدام المصاعد قبل 10 دقائق و10 دقائق بعد قمة كل ساعة.
وأدى ذلك إلى نكات مريرة وسخرية من المصريين على وسائل التواصل الاجتماعي، حيث يسردون كيف ينظمون حياتهم اليومية على أساس جداول انقطاع التيار الكهربائي الصادرة عن الحكومة.
وكانت هناك أيضًا شكاوى استياء بشأن عدم عدالة جداول استخدام الكهرباء، والتي حاولت الحكومة تهدئتها من خلال تسمية الجهد الجماعي بأنه “خطة وطنية لخفض الحمل”.
ومع ذلك، في حين أن الأحياء الثرية نادرًا ما تعاني من انقطاع التيار الكهربائي، يجلس سكان المناطق الفقيرة المكتظة بالسكان في الظلام لساعات بشكل روتيني.
والوضع أسوأ بكثير في المدن والقرى خارج القاهرة، حيث يمكن أن يستمر انقطاع التيار الكهربائي لمدة تصل إلى 6 ساعات.
وفي الوقت نفسه، تم إعفاء البلدات الساحلية حيث يقضي المصريون الأثرياء معظم الصيف، وكذلك المدن السياحية المطلة على البحر الأحمر، من انقطاع التيار الكهربائي.
وفي مواجهة هذا النقد في مؤتمره الصحفي في أواخر يوليو ، قال مدبولي إن هذا إجراء ضروري لأن المدن والبلدات التي تحظى بشعبية بين السياح وأولئك الذين يقضون عطلاتهم في مصر كانت مصدرًا مهمًا للعملة الصعبة التي تشتد الحاجة إليها.
وتعهد لاحقا مدبولي بإعداد جدول زمني يومي لتوزيع انقطاع التيار الكهربائي، ومع ذلك، مع موقفهم المتشكك تجاه الحكومة، فإن قلة من المصريين يزعجهم التحقق من تلك الجداول الزمنية المعقدة، ويستمرون في توقع انقطاع التيار الكهربائي في أي وقت.
ولم يكن انقطاع الكهرباء مشكلة كبيرة بعد الاضطرابات التي أعقبت تنحي الرئيس الأسبق حسني مبارك، في ثورة 25 يناير 2011.
ولكن ينبع الإحراج الحقيقي لحكومة السيسي من الدعاية الرسمية، التي يقارن فيها التحسن في توفير الكهرباء للمنازل والمصانع في الدولة التي يبلغ عدد سكانها 105 مليون نسمة بشكل منتظم بالظروف المعيشية في عام 2013.
في 30 يونيو من ذلك العام الفوضوي، تم عزل الرئيس الراحل محمد مرسي، بالقوة من قبل الجيش بقيادة وزير الدفاع آنذاك السيسي، بعد مظاهرات حاشدة ضد رئيس الدولة.
وكانت جميع الخدمات الأساسية الحيوية تقريبًا غير متوفرة عندما كان مرسي رئيسًا، وليس الكهرباء فقط.
وعاش المصريون في الظلام لساعات عديدة في اليوم، وكانوا يصطفون لأميال لشراء البنزين واسطوانات غاز الطهي، وسط نقص في السلع الأساسية.
وزاد هذا من حدة الغضب الشعبي والدعوات لإنهاء حكم مرسي وجماعة الإخوان التي ينتمي لها.
وبالمقارنة، لم يُسمح للمصريين سوى بمساحة قليلة أو معدومة للاحتجاج على سياسات الحكومة منذ أن تولى السيسي منصبه.
فالمظاهرات العامة محظورة عمليًا، ومن ينشرون تعليقات انتقادية حادة على وسائل التواصل الاجتماعي أو يعبرون عن عدم رضاهم عن الحكومة في المقابلات الإعلامية، يمكن أن يتعرضوا بسهولة للاعتقال والسجن لفترات طويلة دون محاكمة.
ولا يزال آلاف السجناء السياسيين محتجزين في السجون، رغم أن الحكومة بدأت تدريجياً في إطلاق سراح أعداد صغيرة، خاصة بعد إطلاق “الحوار الوطني” في مايو مع أحزاب المعارضة.