محلي

مخاوف من استيلاء الجيش على مبنى دار الكتب التاريخي بالقاهرة

تسيطر مخاوف من سيطرة القوات المسلحة على مبنى دار الكتب والوثائق القومية، الذي يطل على نهر النيل في قلب العاصمة المصرية القاهرة، بعد تردد أنباء عن اعتزام إخلاء المبنى التاريخي الذي يعد بمثابة سلة مصر الثقافية، تمهيدا لبيعه واستغلال أصوله.

يأتي ذلك بالتزامن مع حملة على وسائل التواصل الاجتماعي، يقودها مثقفون ونشطاء ومعنيون بالتاريخ والآثار للتنديد باستمرار مواصلة “البلدوزرات” عملها في هدم المقابر التراثية في أحياء مصر القديمة لإنشاء طرق وجسور تربط بين أحياء العاصمة المختلفة.

ونقلت مواقع محلية عن مصدر مسؤول في دار الكتب عن زيارة لجنة هندسية من هيئة المساحة والإدارة الهندسية للقوات المسلحة لمقر الهيئة المصرية العامة للكتاب وهيئة دار الكتب والوثائق القومية مرتين خلال الشهر الجاري.

وأضاف موقع المنصة المحلي أن المصدر الذي طلب عدم الإفصاح عن هويته، قال إن اللجنة كانت معنية بمعاينة ودراسة وضع مقر الهيئتين في رملة بولاق على كورنيش النيل، وفحصهما وتسجيل مساحتهما، مشيرًا إلى أن الزيارتين تتزامنان مع ما يتردد من وجود نية لبيع المقر.

أجبرت الأزمة الاقتصادية التي تمر بها البلاد؛ نتيجة نقص العملة الصعبة إلى طرح أصول الدولة من شركات ومصانع وفنادق ومبان حكومية للبيع واستغلال مواقعها الاستراتيجية بقلب القاهرة أسفرت عن بيع حصص في عدد من الفنادق وتحويل مباني مجمع التحرير ووزارة الداخلية إلى فنادق.

وافقت الحكومة مطلع العام الجاري، على إعلان عدد كبير من المناطق في وسط العاصمة وخاصة المطلة على النيل مثل منطقة كورنيش النيل بحي الساحل بمساحة تبلغ 154.5 فدان، وكورنيش النيل بالمعادي ودار السلام وأثر النبي، بمساحة 1642.75 فدان، وغيرها كمناطق إعادة تخطيط، وذلك في ضوء الاستغلال الأمثل لأراضي أملاك الدولة بالمنطقة.

تاريخ دار الكتب

تعود فكرة إنشاء “دار الكتب” للحفاظ على ثروة مصر الثقافية والعلمية إلى والي مصر محمد علي باشا الذي أنشأ أول دار لحفظ السجلات الرسمية للدولة في القلعة عام 1828، وأطلق عليها “الدفتر خانة”، بهدف جمع الوثائق الرسمية وحفظها.

بحسب موقع دار الكتب، فإن الخديو إسماعيل (1863- 1879) هو أول من أعلن عن رغبه في إنشاء “كتب خانة عمومية”؛ لجمع شتات الكتب من المساجد وخزائن الأوقاف وغيرها؛ لحفظها وصيانتها من التلف؛ واقترح علي مبارك على الخديو إسماعيل إنشاء دار كتب على نمط المكتبة الوطنية في باريس، وقد أعجب بها حينما أُرسل ضمن البعثة التي أُوفدت لدراسة العلوم العسكرية سنة 1844.

صدر الخديو إسماعيل الأمر العالي رقم 66 بتأسيس الكتبخانة في 23مارس 1870م، في سراي مصطفى فاضل باشا (شقيق الخديو إسماعيل) بدرب الجماميز لتكون مقراً للكتب خانة، وبلغت نواة المكتبة حينها نحو ثلاثين ألف مجلد، شملت كتبا ومخطوطات نفيسة، جُمعت من المساجد والأضرحة و التكايا ومكتبتي نظارتي الأشغال والمدارس.

خلال تلك الفترة تم نقل مقر دار الكتب إلى مناطق أخرى أكثر تميزا بعد أن ضاقت بمقنياتها، وتغير اسمها مرارا فكان اسمها عند نشأتها سنة 1870 “الكتب خانة الخديوية”، ثم “دار الكتب الخديوية” 1892- 1914، ثم “دار الكتب السلطانية” 1914– 1922، ثم “دار الكتب الملكية” 1922- 1927، ثم دار الكتب المصرية 1927- 1966، ثم “دار الكتب والوثائق القومية” 1966- 1971، ثم “الهيئة المصرية العامة للكتاب” 1971- 1993، وأخيراً أطلق عليها “الهيئة العامة لدار الكتب والوثائق القومية” (منذ 1993 وحتى الآن).

تطوير على حساب التراث

يقول الباحث والأكاديمي المتخصص في علم الآثار، الدكتور حسين دقيل: “لا أحد يقف ضد التطوير، ونقل كل المباني إلى العاصمة الإدارية نقطة خلاف، التطوير أمر مهم لكن لا ينبغي أن يكون على حساب التراث، وأن تمتد يد العبث للقاهرة التاريخية، تغيير عواصم البلاد أمر شائع وليس بدعا، إلا أنه يجب ترك المواقع التراثية والثقافية كما هي، لكن ما يجري الآن أن النقل والهدم يشمل كل شيء”.

وفي حديثه لـ”عربي21″، أكد “أن نقل أو إخلاء دار الكتب أو غيرها من الأماكن الثقافية أو التراثية يمحو ببطء هوية القاهرة التاريخية، ويجب الحفاظ على معالمها ومبانيها التي تحمل دلالات ثقافية وتاريخية للمدينة التي تشهد تنوعا غير مسبوق بين جميع الحضارات والديانات، الأجدر بالحكومة الحالية إنشاء مكتبة جديدة تكون نواة لمكتبة وطنية أخرى”.

بشأن أهمية موقع المبنى، أوضح دقبل أن “المبنى في موقع استراتيجي وتحويلة إلى وسيلة من وسائل الاستثمار لجلب العملة الأجنبية والنيل من جزء من الهوية المصرية وذاكرتها أمر غير مقبول”، مشيرا إلى أن “عمر دار الوثائق يمتد لأكثر من 150 سنة، وكانت أول دار كتب ووثائق في المنطقة في العصر الحديث للحفاظ على تراث وتاريخ وثقافة البلاد، وكان الخديوي إسماعيل يسعى إلى إنشائها على الطراز الفرنسي بعد أن سبقتنا فرنسا ببعض الوقت ومرت الدار بأكثر من موقع حتى انتهت لهذا المكان”.

وحول ما أثير من جدل حول مصير المبنى، قال الكاتب الصحفي سيد محمود، بصحيفة الشروق المحلية: “لم يعد أمامنا سوى التساؤل عن مصير المبنى، بل ومطالبة وزيرة الثقافة الدكتورة نيفين الكيلاني بإصدار بيان حول مستقبل المؤسسات المهددة بالتشرد وهي التي تحتاج إلى تطوير وليس إلى الهدم”.

إصرار على التدمير

استهجن نائب رئيس حزب التحالف الشعبي الاشتراكي المصري إلهامي الميرغني، استمرار عمل معاول الهدم في القاهرة التاريخية، وقال إن “الحداثة لا تعني القضاء على التراث، إن لم نحافظ على التراث بكل أشكاله المختلفة فستكون حضارة خالية جوفاء من معناها الحقيقي”.

وأضاف: “هويتنا في المعالم والمناطق الموجودة سواء الأثرية أو التراثية أو التقليدية، في العالم لا يجرؤ أحد على تقطيع الأشجار ونحن نهدم المقابر والأضرحة في الجبانات والقرافات ونقتلع الأشجار أيضا”.

وإذا ما كانت الحكومة المصرية ليس لديها خيارات أخرى للتعامل مع خطة تطوير تلك المناطق سوى بهدم أجزاء من تلك المناطق التراثية، أكد الميرغني أن “تبرير الحكومة بأن الهدم ضروري لشق الطرق وإنشاء الكباري غير مقبول، لديها خيارات عديدة، والمخططون العمرانيون طرحوا على الدولة الجلوس مع المسؤولين وقدموا بدائل لإزالة الجبانات ولكن الحكومة لا تسمع إلا نفسها”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى