فن

السينما في خدمة السلطة

وفقاً لتقرير صادر عن “الجهاز المركزي للتعبئة العامّة والإحصاء” في مارس 2022، بشأن الحالة الثقافية المصرية ومن بينها عدد دور العرض السينمائي في المحافظات المختلفة، وذلك بين عامَي 2018 و2019، أتت القاهرة والجيزة والإسكندرية على رأس أكثر المحافظات المصرية التي تضمّ عدداً من دور العرض السينمائية، فيما خلت ستُّ محافظات من أيّ دار عرض سينمائي، وهي الدقهلية وكفر الشيخ والغربية والبحر الأحمر ومطروح وجنوب سيناء.

ولعلّ هذا الحال هو ما حدا بوزارة الثقافة إلى التفكير في مشروعها المسمّى “سينما الشعب”؛ فمن خلال تعاونُها مع “الشركة المتّحدة للإعلام” المسيطرة على مجمل الإعلام المصري، والتي يُرجّح أنّها تابعة بشكل مُباشر للمخابرات المصرية، قامت الوزارة بإعادة استخدام مسارح قصور الثقافة التابعة لها، والمنتشرة عبر أنحاء البلاد، كمنصّات عرض سينمائي، تُقدَّم فيها أفلام الموسم السينمائي، ولكن بأسعار زهيدة تراوح قيمة التذكرة فيها بين 20 و40 جنيهاً مصرياً (أقلّ من دولار أميركي)، فيما قيمة تذكرة السينما التقليدية تصل إلى 200 جنيه (نحو ستّ دولارات أميركية).

يطمح المشروع للوصول إلى رقم 40 دار عرض، وقد وصلت عروضه حتى الآن إلى 21 قصر ثقافة في 19 محافظة. لكن إذا عُرف أنّ الأفلام المعروضة ضمن المشروع الطموح تتزامن مع موعد عرضها التجاري، ألا يعدّ ذلك خسارة مالية للشركة المتّحدة القابضة على معظم الإنتاج السينمائي المصري كذلك؟

في العامَين الماضيين، خضع مجلس إدارة الشركة المتّحدة لتغييرات جوهرية طاولت مجلس إدارته مرّتَين، وأُشيع أن تحقيقاً جرى مع مدير الشركة، المنتج تامر مرسي، بسبب الخسارة المالية الكبيرة للشركة، قبل الإطاحة به من على رأس الإدارة، وذلك في محاولة لاستعادة الريادة المصرية عربياً في الإنتاج الدرامي والسينمائي، بعدما نافستها المنصّات السعودية، بل واستقطبت معظم الفنّانين المصريّين في إنتاجات سعودية خالصة.

لكن، في تصريح لوزيرة الثقافة نيفين الكيلاني بخصوص “سينما الشعب”، قالت إنّ المشروع “يهدف للتوعية وتقوية الانتماء للوطن”، وجاء تصريحها عقب توضيحها أنّ الفيلم السينمائي يأتي تالياً على عرض بعض الأفلام الوثائقية القصيرة التي تبسط “إنجازات الدولة”، وهي الأفلام المنتَجة من قِبل “الهيئة العامّة لقصور الثقافة”، وإدارة الشؤون المعنوية في القوّات المسلحة، وإدارة العلاقات العامّة في وزارة الداخلية.

هكذا إذاً عُرف السبب، ولم يبطل العجب، ففي حين تخسر الإنتاجات المصرية الرسمية السباق أمام البذخ السعودي الضخم، وكلّ الخسارة من أموال “الشعب” نفسه، يُستدعى هذا “الشعب” مرّةً أُخرى، ومن باب حاجته للترفيه، في سينما تحمل اسمه، يجري التضحية فيها بمليارات أُخرى من ضرائبه، فقط من أجل “تقوية الانتماء إلى الوطن”، كما تقول الوزيرة!

زر الذهاب إلى الأعلى