تقاريرمحلي

وسط أزمات السكر والدولار والكهرباء.. السيسي يستعد للولاية الثالثة

قبيل التصويت في الانتخابات الرئاسية في مصر المقررة بالداخل من 10 إلى 12 ديسمبر، يقف مصريون يعانون من ضيق ذات اليد في طوابير أمام جمعيات تعاونية تديرها الدولة لمحاولة شراء حصص مدعومة من السكر الذي بات شحيحا.

وهذه أحدث علامة على الضغوط الاقتصادية التي زادت بشكل حاد منذ أوائل العام الماضي ووضعت المصريين في مواجهة صعبة مع أسعار آخذة في الارتفاع وأزمة في النقد الأجنبي لم يتم التوصل إلى حل لها، فيما يخيم بظلال على تعهدات المضي في الإصلاحات المؤجلة.

ورغم المشكلات الاقتصادية تبدو الطريق ممهدة لفوز عبد الفتاح السيسي بولاية ثالثة، وسط تهميش أو سحق حركات المعارضة الموثوق بها وانشغال أكبر دولة في العالم العربي من حيث عدد السكان بالحرب في غزة.

ولكن بمجرد انتهاء التصويت، سيراقب المحللون عن كثب التدابير التقشفية التي يعتقدون أنها تم تأجيلها بسبب الانتخابات ويمكن أن تكون بداية لترتيب أوضاع النظام المالي لمصر، وسيكون ذلك تحديا كبيرا، بحسب رويترز.

لكن رئيس لجنة الخطة والموازنة بمجلس النواب، فخري الفقي، كان قد نفى الأسبوع الماضي، الأنباء المتداولة بشأن اتجاه السلطات النقدية في مصر إلى تعويم الجنيه بعد الانتخابات الرئاسية. 

وقال الفقى في تصريحات تلفزيونية، الاثنين: “طالما سيمس الأمن القومي، لا تعويم بأي شكل من الأشكال”. 

وأضاف أن الحالة التي سيتم تحرير سعر الصرف فيها هي استمرار انخفاض معدل التضخم، حتى يصل إلى المستهدف ما بين خمسة إلى تسعة في المئة، وتوفر حصيلة كافية من النقد الأجنبي لدى البنك المركزي تتراوح ما بين 5 إلى 10 مليارات دولار، للدفاع عن قيمة الجنيه.

وبحسب البيانات الأخيرة من البنك المركزي المصري، فإن “التضخم الأساسي تباطأ إلى 38.1 بالمئة في أكتوبر من 39.7 بالمئة في سبتمبر، “وهو لا يزال مرتفعا جدا” بحسب وصف الفقي، الذي أكد أنه لن ينخفض في يوم وليلة، وأن تحريك سعر الصرف يعني “أعباء إضافية على المواطنين، والناس مش مستحملة (لا تتحمل)”.

وتسببت سنوات من الاقتراض بمبالغ كبيرة من الخارج في تراكم ديون خارجية ثقيلة على مصر وفي شح النقد الأجنبي اللازم لشراء السلع الأساسية.

وتوقف صرف شرائح حزمة الدعم المالي من صندوق النقد الدولي بقيمة ثلاثة مليارات دولار والتي تم توقيع الاتفاق بشأنها في ديسمبر 2022، بعد أن تخلفت مصر عن الوفاء بتعهد الانتقال إلى سعر صرف مرن وتقليص دور الدولة والجيش في الاقتصاد. 

وفي الأشهر القليلة الماضية، تراجعت قيمة العملة الضعيفة بالفعل إلى نحو 50 جنيها مقابل الدولار في السوق السوداء مقارنة بالسعر الرسمي عند 31 جنيها للدولار. 

وتقول بيانات البنك المركزي إن أقساط الديون المستحقة في عام 2024 هي الأعلى مستوى على الإطلاق عند 42.26 مليار دولار على الأقل. 

وفي أحدث محاولة لخفض الأسعار، أعلن مجلس الوزراء، في أكتوبر، عن اتفاق مع منتجي القطاع الخاص وتجار تجزئة على خفض أسعار المواد الغذائية الأساسية، بما في ذلك السكر، بنسبة من 15 إلى 25 بالمئة بعد ارتفاع التضخم إلى مستوى قياسي. 

لكن الجهود لم تسجل نجاحا يذكر. وفي غضون أسابيع قفز سعر التجزئة للسكر إلى 55 جنيها مصريا (1.78 دولار) من نحو 35 جنيها في أوائل أكتوبر.

وقال تامر أحمد، وهو بائع خضراوات متجول عمره 46 عاما، من أمام متجر تعاوني تبيع فيه الحكومة المنتجات المدعومة: “الأسعار شديدة أوي (جدا) على الناس كلها.. على اللي معاه واللي مامعاهوش (الغني والفقير). الأزمة في السكر بالنسبة لنا، هو أننا ننتظر طرح الجمعية لكيلو السكر بـ27 جنيه. دا اللي نروح ناخد منه اثنين كيلو ثلاثة كيلو، لكن في المحلات، الخمسين جنيه موجود و55 جنيه موجود، انهاردة (اليوم) ما بتقولش هات كيلو بتقول هات نص كيلو سكر، هات بخمسة جنيه”.

فاتورة الديون المتزايدة

مع عدم القدرة على تحمل تكاليف أسواق الدين العالمية، عمدت الحكومة إلى تمويل العجز المتزايد من خلال توسيع الاقتراض المحلي وسط ارتفاع أسعار الفائدة محليا وخارجيا، الأمر الذي أدى إلى عجز أكبر.

وارتفعت أذون وسندات الخزانة القائمة إلى 5.04 تريليون جنيه حتى نهاية أكتوبر 2023 من 4.35 تريليون قبل عام، مع تقصير آجال الاستحقاق.

وارتفع متوسط العائد على أذون الخزانة لأجل عام واحد إلى 26.80 بالمئة في مزاد يوم 30 نوفمبر من 18.65 بالمئة قبل عام.

وأظهرت بيانات لوزارة المالية أن فاتورة مستحقات الدين المحلي والخارجي لمصر زادت إلى أكثر من المثلين في الربع من يوليو إلى سبتمبر مقارنة بالفترة نفسها العام السابق.

وقال باتريك كوران من مجموعة تيليمر للأبحاث “من دون تمويل صندوق النقد الدولي، وبمبلغ معزِّز بصورة مثالية إن لم يكن المزيد من التعهدات بتمويل ذي صلة من الخليج، لن يكون هناك مفر من أزمة ديون في نهاية المطاف.. ومن دون تخفيض قيمة العملة، ليس لدي تصور لكيفية إعادة البرنامج إلى المسار الصحيح”.

وخفضت وكالات التصنيف الائتماني الثلاث الكبرى، موديز وستاندرد اند بورز وفيتش، تصنيف الديون السيادية المصرية إلى مستويات غير مرغوب فيها.

وعند خفض للتصنيف يوم 20 أكتوبر، قالت ستاندرد اند بورز، إنها تعتقد أن الانتخابات، التي تم تقديم موعدها، يمكن أن توفر فرصة سياسية للإصلاحات الاقتصادية بما في ذلك تخفيض قيمة العملة إلى ما يقرب من سعر السوق الموازية.

وقالت فيتش لدى خفض التصنيف في الثالث من نوفمبر، إنها تتوقع تسريع الخصخصة وتباطؤ مشاريع البنية التحتية الضخمة المكلفة وتعديل قيمة العملة بعد الانتخابات، مما يمهد الطريق على الأرجح لحزمة جديدة وأكبر من صندوق النقد الدولي.

لكن أي تخفيض لقيمة العملة قد يؤدي إلى ارتفاع التضخم مرة أخرى.

وتوقع ألين سانديب من النعيم للوساطة المالية “سنظل بين 34 و35 بالمئة حتى نهاية العام، ومع بداية الربع الأول سنعود إلى نطاق 40 بالمئة بسبب انخفاض قيمة العملة وتأثيراته العابرة”.

وكان الخبير الاقتصادي، وائل النحاس، في حديثه مع موقع “الحرة”، قد اعتبر أن حديث المسؤولين عن عدم حدوث تعويم للجنيه بعد الانتخابات الرئاسية، بمثابة “لعب بالألفاظ”. 

وأوضح: “بالفعل لن يحدث تعويم جديد، لأن التعويم خاضع للعرض والطلب، وقمنا بالتعويم بالفعل في نوفمبر 2022، لكن ما سيحدث هو تحريك لسعر الجنيه وما يسمى بمرونة سعر الصرف التي يطالب بها صندوق النقد الدولي الذي نقوم بالتواصل معه حاليا من أجل مد أجل تسديد الديون”. 

ويعتقد أن البنك المركزي المصري سيقوم بتحريك سعر صرف الجنيه إلى ما بين 38 إلى 40 جنيها، الفترة المقبلة، سواء على مرة واحدة أو مرتين. 

وجلبت الحرب في غزة بيانات تضامن لمصر من حلفاء في الخليج والغرب، ولكن لم يصل الأمر إلى تلقي وعود بالدعم المالي على غرار ما قدموه في الماضي.

وهناك أيضا مخاطر جديدة، فقد أدى تعليق إسرائيل المؤقت لصادرات الغاز الطبيعي لأسباب أمنية في أكتوبر، إلى إجبار مصر على توسيع فترات انقطاع التيار الكهربائي في أنحاء البلاد إلى ساعتين يوميا مقارنة بساعة واحدة في السابق.

المصدر: رويترز

زر الذهاب إلى الأعلى