رحلة كابوسية مفزعة.. ماذا شاهد عامل الإغاثة الأممي في رحلته للوصول لمستشفى المعمداني
المعاملة “اللاإنسانية” للمسعفين، و النيران التي أطلقت على سيارات الإسعاف، والقنابل التي لم تنفجر بعد على الطريق، هذه كانت أبرز ملامح الشهادة التي قدمها جيك مورلاند، وهو عامل إغاثة بريطاني يعمل في مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، لبي بي سي عن مهمة نقل المرضى التي تتم في ظل ظروف عالية الخطورة ومروعة في غزة.
يوم السبت، 9 ديسمبر انطلقت قافلة مشتركة بين منظمة الصحة العالمية والأمم المتحدة وجمعية الهلال الأحمر الفلسطيني مؤلفة من ست سيارات إسعاف وشاحنة من جنوب غزة لتوصيل الإمدادات الطبية إلى المستشفى الأهلي في شمال قطاع غزة الذي هو في أمس الحاجة إليها، فضلا عن نقل المرضى المصابين بجروح خطيرة من هناك إلى مستشفى في الجنوب
للوصول إلى المستشفى الأهلي، كان على القافلة المرور عبر حاجز الجيش الإسرائيلي في وادي غزة
ما نتوقعه عندما نمر عبر نقطة تفتيش في أي مكان عسكري هو ضمان حرية الوصول للعاملين في المجال الإنساني والسلع، يقول مورلاند، الذي ظل يعمل في الإغاثة مع الأمم المتحدة لمدة 20 عاما
لكن هذه المرة، كما يقول: “اقتربنا من كثبان رملية ضخمة، وثمة جنود إسرائيليون يقفون على القمة ورشاشاتهم موجهة بشكل مباشر إلى المسعفين الفلسطينيين ومركبات الأمم المتحدة، وشاحنات الأمم المتحدة التي تحمل الإمدادات الطبية
وبينما كانوا محتجزين هناك لأكثر من ساعة، اقتيد اثنان من المسعفين الفلسطينيين للاستجواب. يقول مورلاند:” علمنا أن أحدهم أمر بأن يجثو على ركبتيه، وجرد من ملابسه وظل محتجزا لبعض الوقت حتى تمكنا من التفاوض لإطلاق سراحه ومتابعة سيرنا
يقول إنه من الواضح أن هذه التحركات (إيصال المساعدات) منسقة مع الجيش الإسرائيلي، و نقدم كل التفاصيل حول ما تحتويه القافلة، وما الذي ستفعله، فضلا عن أسماء جميع أعضاء القافلة؛ لذا فإن ما حدث فعلا من معاملة غير إنسانية للزملاء الفلسطينيين كانت أمرا غير مقبول.
من وادي غزة اتجهت قافلة المساعدات شمالا إلى مدينة غزة القديمة، عبر طريق يصفه مورلاند بأنه فضاء تمتلئ شوارعه بالحطام المتناثر والذخائر غير المنفجرة على الطريق وبجوارها.
يقوا مورلاند: “لقد تم إطلاق النار علينا أيضا، أصيبت سيارة الإسعاف ببضع رصاصات، كما حصل ذلك مع شاحنة أخرى. لذلك كان الأمر حقا يضع حياة العاملين في المجال الإنساني على المحك وهم يذهبون لمحاولة إنقاذ الأرواح.
في رحلة العودة جنوبا، احتجزوا مرة أخرى عند نقطة التفتيش، لكن هذه المرة كانوا ينقلون 19 مريضا مصابا بجروح خطيرة من مستشفى صغير لعلاج الجرحى في مدينة غزة، لذلك فكل دقيقة تمر لها ثمن.
كل هؤلاء المرضى أصيبوا بجروح خطيرة: بتر، جروح مروعة تحتاج إلى عناية فورية، احتجزنا لأكثر من ساعتين عند الحاجز. وقد أجبر الجرحى على الخروج من سيارة الإسعاف والمشي والبنادق مصوبة نحوهم، ثم أوقفوا مرة أخرى على الرمال بانتظار أن يقوم الجيش بتدقيق هوياتهم والتأكد من سجلاتهم لديه، ويضيف مورلاند: حتى الأطفال الذين كانوا جرحى ومرعوبين، نقلهم المسعفون خارج سيارات الإسعاف، ووقفوا هناك لأكثر من ساعة أثناء عملية التقاط الصور.
وفي نهاية المطاف، ومع حلول الليل واقتراب أصوت دوي الضربات الجوية، كان على المجموعة أن تتخذ قرارا صعبا: أن تترك وراءها أحد المسعفين الذين ظل محتجزا لدى الجيش الإسرائيلي.
يقول مورلاند لقد كان لدينا مرضى كانوا يوشكون على الموت فعليا بسبب التأخيرات التي فرضت علينا
ويضيف: سمعت أن أحد المرضى توفي متأثرا بجراحه، وهو في طريقه إلى مستشفى في الجنوب. نعتقد أنه ربما كان من الممكن تجنب ذلك لو سمح لنا بالمرور بإنصاف وبشكل حر عبر نقطة التفتيش.
وقد عرضنا هذا الوصف على الجيش الإسرائيلي، الذي أخبرنا أن أحد المسعفين الفلسطينيين اعتقل للاشتباه في ارتباطه بأنشطة إرهابية.
أما في ما يتعلق بالمريض الذي قيل إنه توفي، قال الجيش الإسرائيلي إنهم لم يبلغوا بذلك إلا بعد أيام ولم يتمكنوا بعد من التأكد من ذلك بشكل مستقل.
ومع ذلك، بالنسبة لجيك مورلاند، لم تكن مجرد صعوبة مرور قافلة طبية عبر خطوط الجيش الإسرائيلي هي ما صدمه، بل كان ما شاهده في المستشفى الأهلي في غزة في ذلك اليوم.
يقول مورلاند إن هذا مستشفى يعالج عادة 80 مريضا بـ 80 سريرا، لكن يوجد حاليا أكثر من 200 مريض في هذا المستشفى
لم يعودوا يتعاملون مع حالات الكسور في العظام. إنهم يتعاملون الآن مع الجروح المروعة التي تهدد الحياة وإصابات الشظايا.
ويضيف أنه لم يرى قط مثل هذا العدد من الناس يموتون أمامي. كانوا مستلقين على نقالات وهم مصابين بجروح مروعة بجوار أكياس الجثث. كانت المشاهد مروعة، بيد أن هؤلاء المسعفين الفلسطينيين وغيرهم من عمال الإغاثة الذين يذهبون إلى هناك (إلى شمال غزة) مرارا وتكرارا معرضين أنفسهم لخطر كبير، يتصرفون برحمة وكرامة، ويساعدون هؤلاء المرضى، ويحاولون نقلهم إلى بر الأمان.