بينما يترقب متابعو الشأن المصري الخفض المرتقب للعملة المحلية منذ مطلع العام الجاري، تشير تقديرات إلى أنها قد تأتي دون توقعات السوق، وأقل من سعر الدولار في السوق السوداء بمصر.
تحريك سعر العملة المرتقب يأتي ضمن زيادة محتملة لبرنامج حزمة الإنقاذ البالغة قيمته 3 مليارات دولار والذي جرى تسليم جزء ضئيل منه إلى مصر حتى الآن، ليصل إلى ما يتراوح بين 6 مليارات و12 مليار دولار، لكن هذا قد يضع شروطاً أكثر صرامة.
رجحت “بلومبرغ إنتلجنس” أن يتضمن برنامج صندوق النقد الدولي الجديد مع مصر خفض قيمة الجنيه نحو 30% مقابل الدولار الذي تشير إليه العقود الآجلة.
السيناريو الذي تضعه “بلومبرغ إنتلجنس” يشير إلى أن الصندوق قد يسمح لمصر بانتقال على مراحل إلى نظام صرف أقل صرامة للعملات الأجنبية لكسر الحلقة المفرغة التي تدور فيها البلاد، فيما تتوقع مؤسسة “كابيتال إيكونوميكس” أن تكون الشروط وفق البرنامج الجديد أكثر صرامة من البرنامج السابق.
احتياجات التمويل تتجاوز 6 مليارات دولار
تشير العقود الآجلة غير القابلة للتسليم إلى انخفاض قيمة الجنيه المصري إلى 39.7 مقابل الدولار في ثلاثة أشهر، و48.9 في 12 شهراً بعد برنامج جديد لصندوق النقد الدولي والذي من المتوقع أن يتم الاتفاق عليه في الربع الأول من العام الجاري، حسب التقرير.
يتداول الدولار في السوق الموازية بين 53 و54 جنيه، مقابل سعره الرسمي في البنوك المصرية منذ أغسطس الماضي وحتى الآن عند ما يقارب 31 جنيهاً لكل دولار، بحسب متعاملين في السوق الموازية تحدثت معهم “الشرق”.
مع ذلك، فإن خفض الجنيه المتوقع بنسبة 30%، والذي سيكون أكبر من خفض قيمته 20% في أكتوبر 2022 ويناير 2023، يبدو مبالغاً فيه، وفق “بلومبرغ إنتليجنس” التي تتوقع زيادة احتياجات مصر من التمويل لتتجاوز التقديرات البالغة 6 مليارات دولار في العام المالي الجاري 2023-2024، على أن تتم تغطيتها من خلال حزمة مساعدات رسمية يقودها صندوق النقد الدولي. يبدأ العام المالي بمصر في أول يوليو حتى نهاية يونيو من العام التالي، وفق قانون الموازنة العامة.
في النصف الثاني 2023، من المرجح أن يرتفع عجز الحساب الجاري في مصر مرة أخرى بسبب انخفاض عائدات السياحة وتحويلات العاملين في الخارج، ومن المحتمل أن تتزايد تدفقات رأس المال إلى الخارج، وفق تقرير لمعهد التمويل الدولي، الذي قدر حجم الفجوة التمويلية التي ستواجه مصر في العام المالي الحالي بنحو 7 مليارات دولار.
وأشار إلى أن تمويل هذه الفجوة سيكون بشكل أساسي من خلال الاستثمار الأجنبي المباشر والتدفقات المالية الرسمية.
تتوقع العقود المستقبلية غير القابلة للتسليم انخفاض قيمة الجنيه المصري إلى 39.7 مقابل الدولار في ثلاثة أشهر
المصدر: بلومبرغ
خفض الجنيه مصحوباً برفع الفائدة
من جانبها، رجحت مؤسسة “كابيتال إيكونوميكس” للأبحاث، حدوث خفض لقيمة الجنيه المصري، وسيكون مصحوباً بارتفاع كبير في أسعار الفائدة، متوقعة رفعها بمقدار 300 نقطة أساس إلى 22.25%.
أبقى البنك المركزي المصري بآخر اجتماع للجنة السياسة النقدية في 2023 أسعار الفائدة عند أعلى مستوياتها للمرة الثالثة على التوالي، ليكون عائد الإيداع والإقراض لليلة واحدة، وسعر العملية الرئيسية للبنك المركزي عند مستويات 19.25%، و20.25%، و19.75% على التوالي. كما تم الإبقاء على سعر الائتمان والخصم عند مستوى 19.75%.
أشارت “كابيتال إيكونوميكس” إلى أن احتمال رفع قيمة القرض الذي تريد مصر الحصول عليه من 3 مليارات دولار إلى 12 مليار دولار، سيكون وفق شروط أكثر صرامة- كما توضح سياسات رفع أسعار العديد من الخدمات خلال الآونة الأخيرة- وعلى وجه الخصوص، تخفيض جديد لقيمة العملة واعتماد نظام صرف أكثر مرونة للجنيه.
يشير الاتساع الكبير بين السعر الفوري للعملة المحلية وسعر السوق الموازية (السوداء) إلى ضغوط متزايدة، ما يؤكد الحاجة إلى تخفيضات إضافية لقيمة الجنيه، حسبما كتب الخبراء الاستراتيجيون في مصرف “دويتشه بنك”، في مذكرة بتاريخ 6 ديسمبر. وقالوا: “من المرجح القيام بجولة جديدة من تخفيض قيمة العملة بعد الانتخابات الرئاسية وقبيل الانتهاء من مراجعات صندوق النقد الدولي في أوائل 2024”.
مقاومة تعويم الجنيه
أظهرت أحدث بيانات ميزان المدفوعات حتى الربع الثاني من عام 2023، انخفاضاً في العجز التجاري لمصر على مدى أربعة فصول إلى 8% من الناتج المحلي الإجمالي من 10.6% في الربع الثالث من عام 2021. ساعدت في ذلك زيادة قدرها 1.6 نقطة مئوية في الصادرات غير النفطية وانخفاض قدره 0.8 نقطة مئوية في الواردات غير النفطية، بفضل انخفاض الدعم الحكومي للمنتجات الغذائية والطاقة الأساسية، إلى جانب ترشيد توفير العملات الأجنبية للمستوردين من القطاع الخاص.
من المحتمل أن تكون البيئة الخارجية الأكثر صعوبة قد ساهمت في زيادة مقاومة مصر لتعويم العملة الذي سعى إليه صندوق النقد الدولي، وفق تقرير “بلومبرغ إنتلجنس” معتبراً أن التعويم أمر “ضروري لكسر دوامة انخفاض قيمة العملة والتضخم”.
أدت المقاومة السياسية للتعويم إلى انتشار أسعار الصرف المتعددة وترشيد العملات الأجنبية، مما أضر بثقة المدخرين والمستثمرين في العملة. في 14 يونيو 2023، أكد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أنَّ سعر الصرف في بلاده أصبح “أمناً قومياً”، وأنَّه لا يمكن لحكومته الاقتراب منه إذا كان سيؤثر على حياة المصريين.