محلي

ما الذي ستحصل عليه الإمارات مقابل استثمار 35 مليار دولار في مصر؟

جاءت صفقة رأس الحكمة التي وقّعتها الإمارات مع مصر منذ أيام مفاجئة وضخمة في آن واحد، مما دفع المراقبين إلى محاولة فهم ما وراءها والهدف منها في هذا التوقيت، والذي لن يقتصر، وفقا لما نشرته وكالة “بلومبيرغ” في تقرير لها اليوم الأحد، عن أهداف مالية فقط.

ووفقا للوكالة الأميركية، فإن الصفقة التي تقدّر قيمتها بنحو 35 مليار دولار ووصفت بأكبر استثمار أجنبي في تاريخ مصر، قد أنقذت الاقتصاد المصري المدمر، وربما أدت إلى تجنب حدوث أزمة كبيرة أخرى في الشرق الأوسط.

وأشارت إلى أن توقيت الصفقة وحجمها وسرعة تسليم الأموال فاجأت الأسواق المالية الدولية وحتى صندوق النقد الدولي.

ونقلت عن 3 مصادر طلبوا عدم ذكر أسماءهم لحساسية الموضوع سياسيا واقتصاديا، تأكيدهم أن الصندوق الذي كان من المتوقع على نطاق واسع أن يكون المورد الرئيسي للتمويل الطارئ لمصر، لم يكن على علم بالمناقشات إلا بعد وقت طويل. 

وكان استثمار أبوظبي ودعمها المالي لمصر هائلاً، حتى بمعايير دولة الإمارات؛ لأن مبلغا أصغر من ذلك كان من الممكن أن يبقي مصر واقفة على قدميها.

وتعادل حقوق تطوير رأس الحكمة البالغة 24 مليار دولار و11 مليار دولار للمشروعات الأخرى، إجمالي احتياطيات مصر من النقد الأجنبي حتى فبراير الماضي.

وبالنسبة لصندوق الثروة السيادي الإماراتي “ADQ” الذي يقود الصفقة، فإن المبلغ يمثل نحو 17.5% من إجمالي أصوله التي يقوم بإدارتها. 

أكبر من الاقتصاد 

في محاولة من الوكالة الأميركية لفهم أسباب ذلك الاستثمار الضخم والمفاجئ للإمارات في مصر، فسّرت ابتسام الكتبي، رئيسة مركز الإمارات للسياسات، وهو مركز أبحاث مقره أبوظبي، أسباب ذلك للوكالة قائلة، إن “تفاقم التحديات الاقتصادية في مصر ليس في مصلحة الإمارات”.

وأكدت الكتبي أن “الهدف هو ضمان الاستقرار، وتجنب عودة الجماعات الإسلامية مثل جماعة الإخوان المسلمين التي تزدهر في أوقات الاضطرابات” وفقا لتعبير الباحثة. 

من جانبه، قال نائب رئيس الوزراء المصري ووزير التعاون الدولي السابق، زياد بهاء الدين، إن “الصفقة تظهر رغبة الإمارات في المشاركة في حزمة الإنقاذ الاقتصادي التي وضعها المجتمع الدولي لأسباب جيوسياسية، والحفاظ على استقرار مصر والمنطقة”.

وأشار بهاء الدين إلى أن الصفقة تظهر أيضًا “موقفًا جديدًا ينظر إلى العائد من مثل هذه التدخلات الاقتصادية، ويحاول التوصل إلى صيغة مربحة للجانبين”.

وقال ريكاردو فابياني، مدير مشروع شمال أفريقيا في مجموعة الأزمات الدولية، إن “صفقة رأس الحكمة جيدة بالنسبة للإمارات، حيث تضمن الأصول الصلبة  أموالها، إلا أنها أيضًا وسيلة لزيادة النفوذ على مصر”.

لكنه توقّع في الوقت ذاته “ألا تغير القاهرة مواقفها بشأن الأزمات في السودان وليبيا المجاورتين، حيث تختلف مع الإمارات”.

وتتجلى هذه الضرورة الأوسع لدعم مصر، أيضا، في خطط الاتحاد الأوروبي للحصول على حزمة مساعدات تبلغ قيمتها حوالي 8 مليارات دولار، والتي ستكون محور زيارة رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين للقاهرة اليوم الأحد، وفقا للوكالة.

مستثمر رئيسي في مصر 

وتستثمر الإمارات بالفعل بكثافة في مصر، مع تدفق الدعم منذ أن كشف الغزو الروسي لأوكرانيا في فبراير 2022 عن مخاطر طويلة الأمد في اقتصاد الدولة الواقعة في شمال أفريقيا المثقل بالديون.

وفي سلسلة من الصفقات منذ أوائل عام 2022، أصبحت “ADQ” أكبر مساهم في اثنتين من أكبر ثلاث شركات مدرجة في البورصة المصرية، وهما البنك التجاري الدولي والشركة الشرقية للدخان، صانع السجائر الرئيسي في البلاد.

كما تعمل بشكل وثيق مع المجموعة الثالثة الكبرى في البورصة أيضا، وهي مجموعة طلعت مصطفى، حيث أصبح رئيسها وسيطًا رئيسيًا في كل من صفقة رأس الحكمة وبيع الحصص المملوكة للدولة في بعض الفنادق التاريخية الأكثر شهرة في مصر.

وفي حين ضعف اقتصاد البلاد وفقدت العملة ثلثي قيمتها خلال عامين، تضاعفت أسهم طلعت مصطفى ثلاث مرات تقريبًا من حيث القيمة الدولارية خلال هذه الفترة، وفي هذا العام وحده، تضاعف سعر سهمها تقريبًا. 

لماذا رأس الحكمة؟

قالت مصادر مطلعة على تفكير النظام الإماراتي لوكالة بلومبيرغ إن “هناك مبررات اقتصادية مقنعة للصفقة، لكن مع متوسط سعر الأرض في المنطقة ما بين 100 إلى 120 دولارًا للمتر المربع، لم تكن الصفقة بيعًا بسعر رخيص تمامًا”.

وتضيف الوكالة أنه “من المؤكد أن الخطط طموحة بالنسبة لرأس الحكمة، التي تبلغ مساحتها ثلاثة أضعاف مساحة مانهاتن الأميركية وتقع على الساحل الممتد غرب الإسكندرية باتجاه ليبيا – وهي امتداد من الرمال الذهبية التي تعد مفضلة منذ فترة طويلة للمصريين الأثرياء الذين يقضون الصيف فيها”.

كما وعدت “ADQ” بمرافق سياحية راقية لتحويل المنطقة المعروفة لدى الغربيين كموقع لبعض المعارك الصحراوية الكبرى في الحرب العالمية الثانية إلى وجهة ذات طابع دولي.

سباق خليجي مستمر لدعم السيسي

ترى الوكالة أن صفقة رأس الحكمة ليست المشروع الخليجي الأول لدعم نظام السيسي منذ منتصف العام 2013، بل تؤكد أن عمليات الإنقاذ الخليجية ليست جديدة. وأشارت إلى أن دول الخليج كانت مانحًا منتظمًا لمصر خلال الأزمات السابقة، منذ عام 2013.

لكن الجديد- وفقا للوكالة- هو أمران: الأول، أن ثمن وتكلفة حفاظ الدول الخليجية على فكرتها عن الاستقرار في مصر آخذ في الارتفاع.

فبين عامي 2013 و2022، قدمت الإمارات والسعودية والكويت مجتمعة 34 مليار دولار لمصر في شكل منح نقدية وشحنات نفط وودائع في البنك المركزي، وفقًا لبيانات المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية. بينما في عام 2024، وحده من المقرر أن ترسل الإمارات أكثر من هذا المبلغ خلال شهرين فقط.

أما الأمر الثاني، فإن الإمارات باتت تتصدر طريق الدعم في مصر في ظل منافسة خليجية حُسمت لها، بعد أن أصبحت السعودية ودول خليجية أخرى أكثر تحفظا في تقديم دعم سخي للنظام في السنوات الأخيرة. 

دور في غزة 

وترى الوكالة أن الهدف من ذلك ليس فقط دعم الاستقرار في مصر والحفاظ على النظام القائم عبر دعمه ماليا لمواجهة التحديات الاقتصادية، بل هناك هدف مهم أخر وهو سعي أبوظبي إلى القيام بدور مستقبلي في قطاع غزة، الذي تم تدميره في خلال الحرب الإسرائيلية المستمرة على القطاع المحاصر. 

ودور مصر في مستقبل القطاع مهم؛ حيث إنها الدولة الوحيدة التي لها حدود غير خاضعة للاحتلال الإسرائيلي مع القطاع المحاصر، ومن ثم فإن الإمارات ترى أن صفقة مثل هذه ستجعل لها دورا في القطاع عبر التأثير على النظام في مصر.

وعلى الرغم من أن الدعم المالي الضخم لمصر يخدم بوضوح هدف الإمارات المتمثل في احتواء مخاوفها الإقليمية الرئيسية، كالاضطرابات الشعبية والإسلام السياسي، إلا أن المحللين يشككون في أن عملية صنع القرار في القاهرة سوف تتأثر كثيرًا نتيجة ذلك الدعم المالي السخي.

وقالت ميريت مبروك، زميلة بارزة في معهد الشرق الأوسط ومقره واشنطن: “النسبة لمصر، التي تحافظ على خط دبلوماسي مستقل، فإن المساعدات المالية أو الاستثمار لا تترجم تلقائيا إلى نفوذ سياسي أو دبلوماسي أو مرونة”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى