محلي

تمهيداً لخصخصة المستشفيات.. الحكومة ترفع أسعار خدمات التأمين الصحي

كشفت مصادر أن الحكومة ستسمح بزيادة نسبة مشاركة القطاع الخاص في إنشاء وإدارة المستشفيات إلى 50%، تمهيداً لخصخصة المستشفيات الحكومية والتوسع في طرحها للاستثمارات الأجنبية.

وقامت الحكومة مؤخراً بالتضييق على صرف الأدوية المجانية وقدّرتها بدواء واحد فقط للمريض في المستشفيات الحكومية من لائحة الأدوية الموصوفة له.

وقبلها حظرت على الأطباء كتابة أدوية مستوردة للمواطنين ما دام هناك بديل أو مثيل لها مصري الصنع، وقرّرت زيادة أسعار المستشفيات الحكومية بدءاً من أسعار تذاكر الدخول والزيارة، وأسعار الخدمات في الداخل.

بالتوازي أصدرت الحكومة لائحةً جديدةً بأسعار أعلى للخدمات الصحية والعلاجية والتمريضية التي تقدمها المستشفيات الحكومية، مع استحداث مجموعة من الخدمات التي تقدم لأول مرة.

وأصدرت الهيئة العامة للتأمين الصحي القرار رقم 203، بشأن زيادة أسعار نحو 500 خدمة صحية مقدمة في الهيئة يحصل عليها المواطنون، وأتاحت الهيئة علاج غير المنتفعين ولكن بضعف السعر.

وقررت وزارة الصحة لائحةً جديدةً للمستشفيات والوحدات الصحية الحكومية، وقلّصت نسبة أسِرَّة العلاج المجاني بالمستشفيات إلى 25%، بعد أن كانت 60%، مع منح تخفيضات تصل إلى 30% من قيمة العلاج لغير القادرين.

واستحدثت اللائحة الجديدة نصاً يحدد المستحقين للعلاج المجاني في تلك المستشفيات، وحصرتهم في 6 فئات هم: الحاصلون على معاش تكافل وكرامة، والمعاقون حاملو بطاقات الخدمات المتكاملة، وأسر شهداء ومصابي الجيش والشرطة.

أما من لا يتمتعون بنظام تأمين صحي أو رعاية صحية، وحالات الطوارئ والحوادث التي تتطلب التدخل السريع لإنقاذ حياة المريض، أو مَن يخشى تفاقم حالته، فاشترطت اللائحة حصولهم على توصية من لجنة البحث الاجتماعي بالمستشفى، وموافقة لاحقة من مدير المستشفى.

وقال مصدر حقوقي إن الحكومة تُمهد لخصخصة القطاع الطبي في مصر، والمشكلة تبدأ من وزارة المالية، التي تضع مبررات لرفع أسعار الخدمات الطبية بحجة عجز الموازنة، ولا تكفي لتوفير العلاج لكافة المرضى.

وأضاف المصدر نفسه أن الحكومة تأتي على حق المواطن في العلاج لسد العجز، مضيفاً أن ميزانية الصحة حول العالم يصل متوسطها إلى 6% من إجمالي الناتج المحلي، وفي مصر 3% وهي نسبة لا تلتزم بها الحكومة أيضاً.

وكشف المصدر ذاته أن تلك النسبة كان من المفترض أن يبدأ تطبيقها من موازنة العام 2016-2017، لكن في ذلك العام حدثت كارثة تمثلت في اتجاه الدولة للحصول على قرض صندوق النقد الدولي، وترتب على ذلك تراجع قيمة الجنيه.

وبعد أن كانت مخصصات موازنة الحكومة في طريقها للوصول إلى نسبة 3% وصلت إلى 2.5% من إجمالي الناتج المحلي، وتراجعت النسبة في السنوات الأخيرة لتصل إلى 1.2% من إجمالي الناتج القومي في موازنة 2023.

وأشار المصدر إلى أن الاستثناء كان في عام الكورونا، الذي وصلت فيه نسبة الإنفاق على قطاع الصحة إلى 1.5%، وهو رقم ضئيل للغاية، ويشكل ربع المعدلات العالمية.

وقال المصدر إن إنفاق هذا الرقم لا يمكن أن يؤدي لوجود نظام صحي جيد، لكنه أسهم في هجرة أعداد هائلة من الأطباء، ولم يعد يعمل في المستشفيات الحكومية سوى 80 ألف طبيب، بمعدل أقل من طبيب لكل 1000 مواطن، في حين أن المتوسط العالمي طبيبان لكل 1000 مواطن.

وحسب المتحدث، انعكس ذلك أيضاً على عدد الأسرة التي تبلغ نسبتها 8.% لكل 1000 مريض، في حين أن المعدل العالمي يشير إلى أن الطبيعي أن يكون هناك 1.9 سرير لكل 1000 مريض.

وإذا جرى احتساب عدة أسرَّة مستشفيات القطاع الخاص، فإن النسبة تصل إلى 1.2 سرير لكل 1000 مريض، وهي نسبة قليلة أيضاً، وتترتب عليها مشكلات التكدس وعدم وجود أماكن داخل المستشفيات.

وأوضح أن القصور الحكومي المتعمد تسبب في تراجع المقومات البشرية الداعمة لاستمرار العلاج المجاني، كما أن البنية التحتية ونقص الأدوية والمستلزمات جميعها أزمات تجعل الفقراء أمام مشكلات عدم القدرة على تلقي علاج جيد.

وقال المتحدث إن الطبقة الفقيرة ستجد صعوبةً في العلاج من الأساس مستقبلاً، بفعل المضي على طريق الخصخصة، بل إن الأمر سيطال أبناء الطبقة المتوسطة في حال واجهوا مشكلات صحية كبيرة، ولم تكن لديهم أي أنظمة تأمينية تحميهم.

وتضمنت قرارات الحكومة أيضاً دفع المرضى الذين لا يحملون الجنسية المصرية (الأجانب) ما يعادل ضعف الأسعار الواردة بهذا القرار، إلى جانب خصم 50% على كافة الخدمات التي تقدم لأسر العاملين بالهيئة العامة للتأمين الصحي؛ الأقارب من الدرجة الأولى فقط.

وقررت سعر الإقامة الداخلية بعد الزيادة، في جناح غرفتين، 1000 جنيه، بينما يبلغ سعر الإقامة في غرفة درجة أولى 750 جنيهاً يومياً، وغرفة درجة ثانية 350 جنيهاً للمريض الواحد.

وشملت زيادة أسعار التأمين الصحي أيضاً العمليات الجراحية، حيث تبلغ تكلفة إجراء عملية القلب المفتوح وتغيير الصمام 50 ألف جنيه بدون سعر الصمام، بينما تبلغ عملية القلب المفتوح لتغيير أكثر من صمام 60 ألف جنيه بدون سعر الصمام.

كما قررت الحكومة زيادة أسعار الخدمات المقدمة بالعيادات، حيث يبلغ سعر الكشف لدى الطبيب الممارس أو مقيم بالعيادات والطوارئ 100 جنيه، بينما تبلغ تكلفة الكشف لدى الأخصائي 150 جنيه بجميع التخصصات، مقابل 250 جنيهاً للكشف لدى استشاري.

من جهته، قال طبيب بإحدى وحدات التأمين الصحي إن التأمين الحالي يشمل 56% من المصريين، فيما تتجه الحكومة ببطء لتطبيق التأمين الصحي الشامل، الذي جرى التوافق عليه دستورياً وسياسياً، ويغطي ثلاثة ملايين فقط من أصل 106 ملايين مواطن.

وأضاف المتحدث أنه في حال جرى الانتهاء من المرحلة الأولى التي تشمل 6 محافظات، فإنه سيكون قد غطى فقط 8 ملايين مواطن، وليس من المعروف موعد الانتهاء من تنفيذه بالكامل، ومن المتوقع أن يستغرق الأمر عدة عقود، وليس كما كان مقرراً في السابق بالعام 2030.

واعتبر المصدر نفسه أن الحكومة لديها قناعة بصعوبة إنجاز المشروع، وتحاول توسيع دور القطاع الخاص في المنظومة الطبية، وهو ما دفعها لرفع مساهمته لتقديم الخدمة من 30% إلى 50 %.

وقال المتحدث إن الحل الذي يُفترض أن يحل الأزمة سيفاقمها، لأن دخول القطاع الخاص سوف يُسهم في ارتفاع تكاليف الخدمات المقدمة للمرضى، لأنه يحسب تكاليف العلاج إلى جانب نسبة ربحية هائلة وغير مضبوطة.

وبالتالي، يقول المتحدث، فإن الحكومة ستعمل أيضاً بين الحين والآخر على زيادة أسعار خدماتها أسوة بالقطاع الخاص، وبالتالي فإنه لا عزاء للفقراء الذين سيتحملون مزيداً من الأعباء للعلاج.

وشدد على أن الحكومة تخضع لاشتراطات صندوق النقد، الذي يطالبها بمنح القطاع الخاص فرصةً أكبر للانطلاق، وتجد لذلك مبرراً باتخاذ مزيد من الإجراءات التي تهدف إلى تدمير كل ما هو حكومي ويقدم خدمة مجانية للمرضى.

وأشار المصدر نفسه إلى أن مصر تبقى أمام وضعية تتراجع فيها المنظومة الصحية بوجه عام، والتي كانت تقوم في السابق على جودة الخدمة المقدمة في المستشفيات الحكومية، والتي كانت تضم أبرز الأطباء في جميع التخصصات.

من جهته، قال مصدر بنقابة الأطباء إن مشكلة خصخصة القطاع الطبي لا تتمثل فقط في خطوات البيع المباشر، لكن هناك الكثير من الإجراءات التي تُسهم تدريجياً في تسليع الخدمات الطبية المقدمة للفقراء.

وقال المتحدث إن هذه الخدمات من بينها تحويل المستشفيات الجامعية إلى هيئات ربحية، مشيراً إلى أن الأمر بدأ مما سمّته الحكومة “تطوير مستشفى قصر العيني” بتمويل من الصندوق السيادي السعودي، وفي ذلك الحين جرى وضع شروط بأن تكون العمليات الجراحية مدفوعة تحت مبررات الترشيد.

وأضاف أن عملية الخصخصة تبدو واضحة بشكل أكبر في مشروع التأمين الصحي الشامل، فالمواطنون لن يدفعوا فقط قيمة الاشتراك في التأمين، لكنهم أيضاً سيدفعون قيمة 10% من الأدوية، ومثلها للتحاليل والأشعة، وسيكون عليهم الإنفاق بحد أقصى 1000 جنيه للدواء.

وأشار المتحدث إلى أن المريض قد يجد المريض نفسه أمام حاجته لدفع مئات الجنيهات، في حين أن هذا التأمين من المفترض أنه موجه لجميع المواطنين، بمن فيهم الفقراء الذين لا يستطيعون دفع بضعة جنيهات قليلة.

وشدد على أن قرار الهيئة العامة للرعاية الصحية التابعة لوزارة الصحة، قبل ثلاثة أعوام، بإنشاء شركة قابضة تحت مسمى (رعاية مصر)، تابعة لهيئة الرعاية الصحية، يعد أيضاً أحد أوجه الخصخصة، لأن ذلك يعنى أن الحكومة حولت الخدمة الصحية إلى شركات خاصة ربحية، لأنه لا توجد شركات مساهمة أو شركات قابضة غير ربحية، رغم التأكيدات بعكس ذلك.

ويعتبر المصدر ذاته أن السبيل الوحيد للفقراء للعلاج المجاني أضحى الآن متمثلاً في العلاج على نفقة الدولة، والذي يعالج ما يقرب من 40% من المصريين، أغلبهم تحت خط الفقر، وهو بمثابة إنقاذ من الكوارث التي قد يتعرض لها المرضى الفقراء.

ويدرس صندوق مصر السيادي تدشين صندوق فرعي للاستثمار في الرعاية الصحية، كواحد من المجالات الواعدة، وفقاً لحديث المدير التنفيذي للصندوق أيمن سليمان، وذلك مع دخول عدد من المستثمرين الأجانب، فضلاً عن إقبال بعض مؤسسات التمويل الكبرى على الشراكات مع كيانات محلية، عقب إدراكها أهمية العائد الناجم عن الاستثمار في هذا القطاع.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى