تباين آراء السياسيين بعد توجيهات السيسي بضرورة خفض مدد الحبس الاحتياطي.. البعض ثمن والبعض انتقد والباقون ينتظرون نتيجة على أرض الواقع
وجه السيسي الحكومة بسرعة اتخاذ الإجراءات اللازمة لتفعيل توصيات الحوار الوطني بشأن الحبس الاحتياطي والعدالة الجنائية، مشيرا إلى أهمية تخفيض مدد الحبس الاحتياطي.
لكنه في ذات الوقت أكد على أهمية الحفاظ على طبيعة الحبس الاحتياطي كإجراء وقائي تستلزمه ضرورة التحقيق، دون أن يتحول لعقوبة، مع تفعيل تطبيقات بدائل الحبس الاحتياطي المختلفة، وأهمية التعويض المادي والأدبي وجبر الضرر، لمن يتعرض لحبس احتياطي خاطئ.
واستبق السيسي الاستعراض الدوري الشامل لمتابعة ملف حقوق الإنسان، المقرر في مدينة جنيف السويسرية، بإعلان قبول توصيات “الحوار الوطني” حول ملف “الحبس الاحتياطي”، المثير للجدل، وقرر إحالتها للحكومة، وذلك في الوقت الذي تتصاعد فيه المطالبات الحقوقية بإنهاء الملف الذي يمس آلاف المعتقلين السياسيين.
ورغم ما صحب قرار السيسي، من دعاية إعلامية موسعة إلا أن حقوقيين، ومراقبين، ومتحدثين رأوا أن ذلك تطور شكلي قد لا يرقى لحيز التنفيذ الفعلي، مؤكدين أنه يستبق بهذه القرارات مراجعة ملف مصر الحقوقي بالأمم المتحدة، عبر تقديم إصلاحات قد تكون مطلوبة ومهمة، لكنهم شككوا في إمكانية تفعيلها بالإفراج عن آلاف مسجوني الرأي.
مؤيدو القرار
رحب مدحت الزاهد رئيس حزب التحالف الشعبي الاشتراكي، بالبيان الصادر عن رئاسة الجمهورية وما اشتمل عليه من إحالة توصيات تتعلق بالحبس الاحتياطي ومدده إلى الحكومة لسرعة اتخاذ الإجراءات اللازمة، وذلك استجابة لمناقشات الحوار الوطني.
وقال الزاهد “أخيرا تم تحريك ملف الحبس الاحتياطي وهو ملف مفتوح منذ سنوات، وتعددت فيه مطالب جميع القوى الوطنية بضرورة ألا يتحول الحبس الاحتياطي في كل القضايا إلى اعتقال مقنع وإلى عقوبة وألا يكون بديلا لفكرة الاعتقال بمدد مفتوحة يعقبها تدوير ويعقب التدوير الإضافة إلى قوائم الإرهاب بحيث يتحول إلى سجن فعليا وعقوبة مباشرة”.
وقال إيهاب رمزي عضو اللجنة التشريعية بمجلس النواب، أن جميع دول العالم تضع ضوابط محددة حول ملف الحبس الاحتياطي، وذلك لأهميته القانونية في الحفاظ على الإطار العام للأمن القومي.
وأشار إلى أن الحبس الاحتياطي تم تشريعه لمصلحة تحقيقات النيابة العامة، وترجع أهميته إلى الحفاظ على الأمن العام وكذلك المحافظة على حقوق المتهم.
أكد طلعت عبد القوي عضو مجلس أمناء الحوار الوطني، إنّ ملف الحبس الاحتياطي لم يكن وليد اللحظة، وكان ضمن أجندة المناقشات بالفعل منذ فترة طويلة.
وأشار إلى أن استجابة السيسي لتوصيات الحوار الوطني في ملف الحبس الاحتياطي يدل على احترام الدستور والحرص على تنفيذ الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان التي تم إطلاقها في 2021.
أما السياسي أيمن نور، فقد أرسل أولى رسائله لعبدالفتاح السيسي، وقال “رسالتي الأولى لشخصكم وبصفتكم، أود أن أبدأ بالتأكيد على أن توجيه هذه الرسالة اليوم هو رد شخصي، على التغريدة الإيجابية التي نشرتموها أمس حول موافقتكم على تخفيض مدد الحبس الاحتياطي، وإنني أدرك وأؤمن لحد اليقين بأهمية هذه الخطوة المستحقة خاصة إذا كانت مصحوبة بإرادة سياسية لحل أزمة قطاع كبير من المواطنين الذين عانوا طويلا من هذه الأوضاع القانونية والحقوقية والإنسانية الصعبة.
حبر على ورق
أشار الكاتب الصحفي قطب العربي، بقوله إن الهدف “تقديمها للمجتمع الدولي خلال المراجعة الدورية لملف انتهاكات مصر لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة، خاصة وأن توصيات المراجعة السابقة (270 توصية) طلبت احترام النصوص الدستورية الخاصة بالمعتقلين والمحبوسين احتياطيا”.
وأضاف العربي، عبر “فيسبوك”: “نظام السيسي يستغبي شعبه، ويعتقد أنه قادر على استغباء المجتمع الدولي والأمم المتحدة”، مشيرا إلى أن السيسي، يزعم أنه احترامه للدستور بينما هو الأكثر عداء للدستور، مطالبا إياه بأن يراجع أوضاع المحبوسين احتياطيا، ويفرج عن كل من تجاوز السنتين حبسا احتياطيا، ويوقف تدوير المحبوسين على قضايا جديدة ملفقة من داخل محبسهم، مؤكدا أنهم بالآلاف.
قال السياسي الدكتور ثروت نافع: “في اعتقادي الموضوع شكلي جدا”، وأضاف: “كان يحدث في السنوات السابقة أن يتم بعض التعديلات قبل الاجتماع الدوري لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة، ويمكن أن تكون التعديلات هذه المرة في ظل ضغوط دولية اقتصاديا داخليا وخارجيا أكبر، وهناك دفع في هذا الاتجاه لتحسين مركز مصر في حقوق الإنسان”.
السياسي الدكتور عمرو عادل، إن “الدستور لم ينزل من السماء أمس”، مضيفا في حديثه لـ”عربي21”: “أعتقد أن هذه العبارة تكفي للرد على الأسئلة الكثيرة التي تُطرح كل عام بشكل كرنفالي حول حقوق الإنسان في مصر”.
رئيس المكتب السياسي بالمجلس الثوري المصري المعارض، أكد أن “السلطة في مصر تتعامل بمنطق العصابات، وأكثر ما يميز العصابات أنها ليس فقط تخالف القانون، ولكنها لا تحترمه ولا تكترث به وتستمتع بخرقه”.
ويرى أن “الحبس الاحتياطي تعبير لطيف عن الاختطاف من عصابات الدولة؛ تماما كما تطلق لفظ تخفيف الأحمال على قطع الكهرباء، وكما تقول تحريك الأسعار على رفع الدعم”.
الحقوقي خلف بيومي، فيرى أن “مشكلة السجناء والمعتقلين في مصر ليست في غياب النصوص الدستورية والقوانين”، مؤكدا أنه “اعتقاد خاطئ وغير صحيح”، مبينا أن “المشكلة قائمة في منظومة العدالة بصفة عامة”.
وقال، “في ظل توغل الأمن الوطني واستفحاله مع عدم وجود استقلال حقيقي للقضاء يُصبح الحديث عن تحديث نصوص قانونية أمر لن يترتب عليه تحسين أوضاع”.
وأضاف: “كما نعتقد أن الحكومة المصرية تحاول أن تخفف حدة الانتهاكات الموجهة لها من الخارج والخروج بتوصيات أقل في الاستعراض الدوري الشامل بالأمم المتحدة حول أوضاع حقوق الإنسان، والمقرر لها أول العام 2025”.
ننتظر التطبيق
عبر مواقع التواصل الاجتماعي، لاقت تصريحات السيسي، تفاعلا كبيرا من نشطاء ومعارضين وحقوقيين.
المحامي المشارك في أعمال لجنة حقوق الإنسان والحريات بالحوار الوطني، أحمد رجب قال: “آن الآوان لغلق هذا الملف وما يرتبط به من تدابير أخرى”، مشيرا إلى أن “الملف بأبعاده وتفاصيله والخطوات العاجلة لمعالجته؛ أصبحت واضحة ولا تحتاج إلا لتنفيذ توجيه رئيس الجمهورية، من خلال قرارات تنفيذية وسياسات عامة”، مؤكدا أن هذا “ما نأمل فيه قريبا”.
كذلك طالب عضو مجلس أمناء الحوار الوطني والمحامي الحقوقي نجاد البرعي، النائب العام باتخاذ “الإجراءات الكفيلة بالإفراج عن كل من استطالت مدة حبسهم أو إحالتهم إن كان لدى النيابة العامة أدلة تصلح لذلك”.
ودعا البرعي، مجلس النواب بالاطلاع على توصيات الحوار الوطني بشأن الحبس الاحتياطي، والمنع من السفر، والتحفظ على الأموال، وأن يأخذها في اعتباره عند مناقشة مشروع قانون الإجراءات الجنائية الجديد”.
لكن، الحقوقي جمال عيد، كان له رأي آخر، حيث قال إن الإدعاء بأن مشكلة السجناء والأسرى والرهائن في مصر هي النصوص القانونية لمدة الحبس الاحتياطي، وأن الحل هو تعديل تلك النصوص، محض كذب.
وأكد أن المشكلة في غياب الإرادة السياسية لاحترام القانون، والدستور، وغياب استقلال القضاء ومشاركة كثير من القضاة والنيابة في إهدار القانون والحقوق، وغياب الأسباب الحقيقية والجادة للحبس سوى تقارير الأمن الوطني.