الاحتلال يضغط على مصر من خلال رفع أسعار الغاز.. ما هي خيارات القاهرة؟

يبدو أن الخلاف المعلن بين مصر والاحتلال لم يقتصر عند حد الهجوم الإعلامي المتبادل، والتحذيرات من التحشيد العسكري، بل امتد إلى ممارسة عملات ابتزاز واضحة عبر ملفات اقتصادية.
رفع الغاز 40%
بحسب مصادر مطلعة للعربي الجديد،، فقد فوجئت القاهرة خلال اجتماع مع مسؤولين إسرائيليين في الأيام الماضية بمطلبهم رفع أسعار الغاز الإسرائيلي المصدّر إلى مصر بنسبة 40%، وهو ما اعتبرته دوائر مصريّة محاولةً للابتزاز السياسي في المواضيع التي تتصل بالوضع في غزة واتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية، أكثر منه خطوة اقتصادية.
المصادر أوضحت أن الاجتماع جاء بناءً على طلب مصري بزيادة كميات الغاز المستوردة من إسرائيل خلال شهري يونيو ويوليو المقبلين، لمواجهة الطلب المتزايد على الكهرباء خلال فصل الصيف.
رفض مصري
وأضافت أن القاهرة فوجئت بردّ الجانب الإسرائيلي، الذي أبدى استعداده لتلبية الطلب المصري، ولكن بشرط تعديل الأسعار المتفق عليها سابقاً، بزيادة تصل إلى نحو 40% عن الأسعار المطبقة حالياً.
الاتجاه للسعودية
في سياق متصل، كشفت مصادر “العربي الجديد” أن عبد الفتاح السيسي ناقش هذا الملف خلال اجتماع ثنائي مع ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، في الرياض، على هامش اللقاء “الأخويّ غير الرسمي” الذي ضمّ قادة كلّ من السعودية، ومصر، وقطر، والأردن، والإمارات، والبحرين، والكويت، يوم الجمعة الماضي.
وخلال الاجتماع، استعرض السيسي تفاصيل المفاوضات مع الجانب الإسرائيلي، محذّراً من أن تل أبيب قد تستغل هذا الملف للضغط على القاهرة، خصوصاً في ما يتعلق بالقضية الفلسطينية والوضع في غزة. وأبدى ولي العهد السعودي استعداده لدعم مصر، لكن في صورة فرص استثمارية.
زيادة استيراد الغاز من الاحتلال
ومنذ بدء استيراد مصر الغاز الإسرائيلي في عام 2020، ضمن صفقة قيمتها 15 مليار دولار، أصبح هذا المورد جزءاً أساسياً من مزيج الطاقة المصري، خصوصاً مع التوسع في تصدير الغاز المسال وتعويض أي عجز محلي خلال فترات الذروة.
وتأتي هذه الخطوة بعد فترة وجيزة من كشف الإعلام الإسرائيلي عن تقديم تل أبيب شكوى إلى مصر بشأن ما وصفته بـ”خروقات لاتفاقية السلام في سيناء”، ما يُثير تساؤلات حول وجود تنسيق بين المسارين، خصوصاً أن القاهرة سبق أن حذرت من أنها سترد على أي خرق إسرائيلي بالمثل.
ووفقاً لمصدر مصري مطلع، فإن القاهرة سبق أن أبلغت الجانب الإسرائيلي، عبر اجتماعات عُقدت أخيراً على المستويين العسكري والأمني، أن أي خرق من جانب إسرائيل سيُقابل بخرق مماثل من قبل مصر.
وأضاف المصدر أنه من المقرر مناقشة الوضع في المنطقة الحدودية بين مصر وغزة مع المبعوث الأميركي ستيف وتيكوف خلال اجتماع مرتقب في القاهرة. وأكد أن أي حديث عن الحفاظ على اتفاقية السلام يجب أن يكون شاملاً ومتوازناً.
وأشار المصدر إلى أن المحادثات التي ستُعقد نهاية الأسبوع الحالي ستُركز على ضرورة الانسحاب الإسرائيلي الكامل من محور صلاح الدين (فيلادلفي)، الممتد على طول الشريط الحدودي بين مصر وغزة، وذلك وفقاً لما اتُفق عليه خلال المرحلة الأولى من مفاوضات وقف إطلاق النار في غزة، التي تنصّ على انسحاب إسرائيلي كامل بحلول اليوم الـ56 من دخول الاتفاق حيز التنفيذ.
ضغوط اقتصادية
وبحسب مراقبين، فإنه من الواضح أن هناك محاولات إسرائيلية لاستخدام النفوذ الاقتصادي في قضايا أخرى، أبرزها التأثير في الموقف المصري من غزة، فمن خلال الضغط في ملف الغاز، تحاول تل أبيب التأثير على إدارة مصر للملف الفلسطيني، خصوصاً في ما يتعلق بممر صلاح الدين، الذي من المفترض أن تنسحب منه إسرائيل بالكامل وفقاً للاتفاق الأخير مع واشنطن.
كما أن الربط بين ملف الغاز الإسرائيلي والموقف المصري من غزة قد يكون محاولة لانتزاع تنازلات مصرية تتعلق بحدود القطاع أو طريقة التعامل مع الفصائل الفلسطينية.
ومع ذلك، تبدو مصر غير مستعدة للخضوع لهذه الابتزازات، خصوصاً أن ملف سيناء حسّاس للغاية بالنسبة للأمن القومي المصري، وقد تستخدم القاهرة هذه الضغوط لتشديد موقفها في المفاوضات الجارية.
خيارات مصرية بديلة
ويؤكد خبراء أنه في مواجهة هذه التحديات، تمتلك مصر خيارات عدة للرد. أحد هذه الخيارات هو اللجوء إلى الحلفاء الإقليميين، وهو ما ظهر بوضوح في اللقاء الذي جمع السيسي وبن سلمان في الرياض.
كذلك، قد تلجأ مصر إلى المناورة في ملفات أخرى، مثل تشديد موقفها من اتفاقية السلام أو إعادة النظر في بعض الترتيبات الأمنية على الحدود مع غزة. وفي ما يخص ملف الطاقة، من المتوقع أن تسرّع القاهرة من تطوير إنتاجها المحلي من الغاز، خصوصاً من حقول البحر المتوسط، أو البحث عن مورّدين آخرين، مثل دول الخليج أو الجزائر، وهو ما قد يُقلل من حاجتها إلى الغاز الإسرائيلي مستقبلاً.
وفي الوقت ذاته، يرى هؤلاء، أنه رغم الضغوط الإسرائيلية، من غير المرجح أن تتجه الأزمة نحو مواجهة مفتوحة، لكن المؤكد أن مصر لن تقبل الخضوع لشروط اقتصادية قد تُستخدم لاحقاً كورقة مساومة سياسية، مؤكدين أن التصعيد الإسرائيلي في ملف الغاز قد لا يكون في صالح تل أبيب، خصوصاً أن مصر لاعب رئيسي في المنطقة، ويمكنها التأثير في ملفات أخرى أكثر حساسية، مثل أمن الحدود الجنوبية لإسرائيل ومستقبل التهدئة في غزة.