
لا تزال ردود الأفعال الغاضبة تتوالى على تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، التي طالب فيها بمرور السفن الأمريكية مجانًا عبر قناة السويس، وسط غضب واسع يشمل الشعب بكل مكوناته، حزبيًا وشعبيًا، رفضًا لتصريحات ترامب عن قناة السويس.
فبعد يوم من احتفال مصر بالذكرى الـ43 لتحرير سيناء، الجمعة الماضي، كتب ترامب، على منصة “تروث سوشال”: “يجب السماح للسفن العسكرية والتجارية الأمريكية بالمرور بقناتي السويس وبنما دون رسوم”، معلنا طلبه من وزير خارجيته ماركو روبيو “تولي الأمر فورا باتفاقيات رسمية”.
حديث ترامب جاء بالتزامن مع الذكرى الـ166 لبدء أعمال حفر قناة السويس الموافق في 25 أبريل 1859، جاء فيه أن “هاتين القناتين ما كان لهما أن توجدا لولا أمريكا”.
ما زاد من جدية الأمر هو إعادة مستشار الأمن القومي الأمريكي مايك والتز، الجميع نشر التدوينة، مؤكدا أنه أن بلاده “لا يجب أن تدفع رسوما مقابل عبور قناة تدافع عنها”، ما فاقم حدة الجدل.. وتساءل البعض: من يحمي قناة السويس؟ هل الجيش المصري أم الأمريكي؟
وسبق حديث ترامب، قيام لجنة الشحن البحري الفيدرالية الأمريكية في مارس الماضي، بالتحقيق حول “نقاط الاختناق البحرية العالمية”، وبينها قناة السويس، في محاولة أمريكية للضغط على الدول مالكة تلك الممرات للحصول على تخفيضات لسفنها، وفق رؤية سياسيين مصريين.
تهديد مبطن بالعقوبات
فهذه اللجنة، رأى فيها بيان السياسي أيمن نور، الاثنين، أنها “تحمل في طياتها تهديدا مبطنا باستخدام سلاح العقوبات الاقتصادية والسياسية، في حال لم تخضع مصر لما تراه واشنطن”.
من جانبه قال الدبلوماسي السفير عدلي دوس، لـ”عربي21″: “كلنا يعتقد أنه تصريح لا يتعدى كونه للضغط على مصر لتقبل ببعض الأمور المتعلقة بقطاع غزة أو ما نُشر مؤخرا عن تقارب عسكري مع الصين”، ملمحا إلى مناورات عسكرية مصرية صينية جرت الشهر الجاري.
واستدرك الدبلوماسي المصري: “لكن بالتأكيد هو (ترامب) لن يقوم نهائيا بتطبيق مثل هذا التهديد؛ لأن لديه أوراقا للتهديد أشد وطأة بكثير جدا من رسوم قناة السويس”.
تاجر جشع
أما السياسي والأكاديمي الدكتور محمد محيي الدين، فرأى أن “ترامب هو تاجر جشع لا يشبع معتمدا على مجموعة بلطجية يحملون الأسلحة البيضاء بوجوه منافسيه من التجار وزبائنه من الدول والحكومات هو المحرك الرئيس لترامب السياسي”.
وأكد أن “أهمية قناة السويس للسفن الأمريكية أهمية عسكرية بالأساس للقطع الحربية، وهي مهما زادت أو غلت تكلفة مرورها فلا يمكن أن تشكل أدنى عبء على أمريكا أو جيشها أو أصغر بليونير فيها”.
ولفت إلى أن “الاحتمالات متعددة، وأيا كانت فعلينا إدراك أن أمريكا تحتاج مصر بأكثر مما تحتاجها الأخيرة، وأمريكا لا يعنيها في المنطقة سوى الطاقة كاحتياطي استراتيجي لها، وبقاء إسرائيل لأسباب عقدية وسياسية، ومن ثم فاستقرار مصر وهدوء العلاقات بينها وبين إسرائيل يصب في هذا الاتجاه”.
بالون اختبار
وبدوه قال مساعد وزير الخارجية الأسبق السفير فرغلي طه، قال إنه يأخذ أي كلام لترامب عن سيناء وقناة السويس على محمل الجد، مؤكدا على وجوب الرد المصري بأن القناة مصرية وملك لشعب مصر فقط، ولا فضل لأحد على مصر في حفرها، وأن مصر قادرة على الدفاع عنها.
وأكد الخبير الاقتصادي محمود وهبة، أن “ترامب لا يهمه توفير عدة دولارات من رسوم المرور بقناة السويس، ولكنه يرسل رسالة للسيسي ويذكره بأنه يحميه أيضا مثل السعودية والإمارات”.
وأوضح أن استراتيجية ترامب، للتحكم بممرات التجارة الدولية بدأت بخليج المكسيك، ومنه لقناة بنما، وأرسل وزير خارجيته لها فرفضت الإكوادور التي تملكها، ولكن شركة “بلاك روك” الأمريكية بدفع من ترامب اشترت من الصين 43 ميناء متصلة بقناة بنما”.
ويعتقد الكاتب الاقتصادي مصطفى عبد السلام، أن “الخضوع لابتزاز ترامب يعنى انهيار إيرادات القناة التي تخسر حاليا نحو نصف مليار دولار شهريا”، فيما يرى الخبير الاقتصادي أحمد خزيم، أن تصريح ترامب قرصة أذن بسبب المناورة العسكرية المصرية الصينية. ورأى الكاتب إلهامي المليجي أن تصريحات ترامب “إعلان نوايا صريح لقرصنة القرن 21”.
قناة السويس
وقناة السويس يبلغ طولها نحو 193 كيلومترا، ويعبرها من 12 إلى 15 بالمئة من إجمالي التجارة العالمية، ونحو 30 بالمئة من حركة الحاويات العالمية، مسجلة مرور بضائع بأكثر من تريليون دولار سنويا، بحسب تقرير “المجلس الأطلسي”، بواشنطن، في مارس الماضي، الذي أكد أن 3 بالمئة فقط من التجارة الأمريكية تمر من القناة، ونحو 40 بالمئة من التجارة الأوروبية.
وتحكم اتفاقية القسطنطينية المبرمة في 29 تشرين أكتوبر 1888، بين فرنسا والنمسا والمجر وإسبانيا وإنجلترا وإيطاليا وهولندا وروسيا وتركيا، حركة المرور بقناة السويس، بما يضمن حرية المرور بها في السلم والحرب، مع احترام السيادة الكاملة لمصر على القناة.
وتؤكد اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار عام 1982، أن المرور الحر لا يعفي السفن العسكرية والمدنية من الالتزام بالقوانين المحلية ودفع الرسوم المقررة، واحترام القواعد الأمنية والتنظيمية للدولة الساحلية.
ومؤخرا يواجه الشريان المائي الأهم عالميا أزمات خطيرة بين منافسة شرايين مائية جديدة، وأخرى تحت التنفيذ، وبين تأثير حرب غزة على حركة المرور بها، وخسارتها 800 مليون دولار شهريا، بحسب أرقام رسمية.